ميقاتي الإيجابي وتعقيدات الدخول الثالث إلى السرايا
تدوير الزوايا والإيجابية المطلقة في التعامل مع رئاسة الجمهورية، هي أبرز ما يُقدّمه الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي إلى اللّبنانيين. ويغالي صاحب التجربتين الحكوميتين بشكل غير مفهوم في سلوك سياسة الصدر الرحب والانفتاح، بعد مناخ متشنج وحاد رافق تكليف الرئيس سعد الحريري. منذ اليوم الأوّل لاستشارات التكليف والتشكيل يتواصل بشكل مكثّف مع رئيس الجمهورية حيث قدّم بشكل سريع تصوراً عن توزيعة الحقائب الوزارية على قاعدة 24 حقيبة.
وتيرة مسار التأليف مع الرجل الوسطي، تتميز بتواترها على مقياس اجتماع يومي مع رئيس الجمهورية ميشال عون وحتى اليوم جرت أربع اجتماعات بينهما منذ التكليف، فيما أعطى ميقاتي نفسه عطلة أسبوعية محددًا موعدًا جديدًا يوم الاثنين المقبل. لكن ذلك لا يحجب حقيقة أن مخاضًا عسيرًا يبدأ مع التسميات واختيار الشخصيات المطلوبة للتوزيعات الطائفية والحقائب.
في إطلالاته الإعلامية المكثّفة هذا الأسبوع وضع ميقاتي عينًا على الوزارات الدسمة بقوله “لا نريد وزير اقتصاد معارض لوزير المالية في الحكومة وتهمنا وزارة الطاقة التي كانت أكبر مصدر للهدر في السنوات الماضية بالإضافة الى وزارة الاتصالات التي كانت تُعتبر بترول لبنان واليوم على وشك أن تصبح شبيهة بكهرباء لبنان”.
المباحثات يوم الخميس بين الشريكين الدستوريين في التأليف، تركزت على الحقائب والأسماء ما أنبت طروحات جديدة ونقاشاً، بحسب المعلومات، حول موقع نائب رئيس مجلس الوزراء، وهو منصب تقليدي من حصة طائفة الروم الأرثوذكس، كان الرئيس المعتذر سعد الحريري قد وعد به رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، وأراد ميقاتي أن يفي بهذا الوعد لكن الرئيس عون فضّل أن يبقى من حصّة الأرثوذكس. وتوقف النقاش عند هذه النقطة دون حسمها، فيما استمر النقاش حول توزيع الحقائب الوزارية دون حسم صيغته النهائية.
وبالرغم من إعلان الرئيس المكلف أنه “يسعى بكل جهده مع رئيس الجمهورية ميشال عون لتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن لأن الوضع لا يحتمل ترف التباطؤ في عملية التأليف ونحتاج تعاون الجميع، كما أن الخارج لا يريد انهيار لبنان”. إلّا أنه تشدّد في النقطة التي توقف عندها الحريري بما يخص عقدة وزارة الداخلية. فهو يُصر على إعطائها لمن يُسمّيه من الحصة السنية ويدعمه في ذلك نادي رؤساء الحكومات السابقين، فيما يطلب رئيس الجمهورية أن تكون تسمية وزير الداخلية من حصّته.
ميقاتي الذي لا يحب الخسارة فهو رجل أعمال ناجح على المستوى الدولي إبن عاصمة الفقراء الذي لم يسقط مرة عن لوائح “فوربس الدورية لأثرياء العالم، ومقياس الربح والخسارة الحكومية تتركز على سيطرته على الوزارات الدّسمة. وقد أعلنها صراحة أن الحقائب الاساسية للمرحلة المقبلة هي: الاقتصاد والمال، الداخلية والعدل، ووزارة الطاقة ويجب أن تكون مستقلة وأن تعمل بشكل وطني، ووزارة الاتصالات هي “بترول لبنان” (وهو خبير فيها) ويجب أن تبقى كذلك”. عند هذا التصريح الصريح يمكن استشراف التعقيدات، التي قد تقف عقبة أمام دخول النائب الطرابلسي السرايا الحكومية للمرة الثالثة. ورغم الإيجابية والتفاؤل المفرطين فإن هذا المسار سيثير إشكالًا مع الفريق الرئاسي وسيُغضب التيار الوطني الحر لأنّه يُعد رسالة مباشرة للرئيس أن كل الوزارات الأساسية لن تكون من حصته ما سيُثير خلافًا بعد “الود” المصطنع.
حتى يحين موعد إطلاق سراح النقاط الخلافية يستمر طرفا التأليف في بث أجواء التفاؤل، على وعد وجوب تشكيل الحكومة لوقف الانهيار. وهذا ما برز في الخبر الذي وزعه القصر الجمهوري وفيه أن كل من عون وميقاتي تبادلا الآراء في الصيغ المقترحة لتوزيع الحقائب الوزارية على الطوائف في أجواء إيجابية، تعكس تقدماً في مسار التشاور بين الرئيسين لتأمين ولادة سريعة للحكومة العتيدة. وجاء في الخبر أن الرئيسين سيلتقيان مجدداً الاثنين المقبل لاستكمال البحث في تأليف الحكومة.
اجتماعات بعبدا خلال الأسبوع المقبل لن تُنتج حكومة حتماً مع بروز عقد متعددة الجوانب، وبخلاف ما يتم تسريبه من أخبار عن قرب تشكيل الحكومة قبل ذكرى تفجير مرفأ بيروت في 4 آب / أغسطس الذي يتزامن مع مؤتمر دعم في باريس، حسم الرئيس المكلّف أن “لا حكومة قبل 4 آب”، لافتًا إلى أن “هناك أملٌ ولو كان ضئيلًا لتجنيب لبنان الارتطام الكبير”، وأضاف “من هنا لم أتردد بقبول التكليف، وأنا فدائي بهذا الموضوع وأحاول التخفيف قدر المستطاع من الحريق ولكن بمساعدة الجميع، وأنا تقدّمت باتجاه النار ويجب تخفيف السلبيات قليلًا وإعطاء بعض المهل”.
وفي كلام رداً على سؤال عما إذا كان عون سيعطي ميقاتي ما لم يأخذه الحريري، قال ميقاتي “التنازل لمصلحة الوطن ولا أحد يأخذ أو يعطي شيئاً منه ونتحدث عن إدارة وطن”. وأردف رداً على سؤال “أنا ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري واحد واليوم أفاوض عنه كما هو فاوض عني وعن الرؤساء السابقين في الأشهر الماضية”.
“الفدائي” الذي وضع حكومته المحتملة في إطار مهامها الإنقاذية، مدفوعًا بزخم فرنسي وتحفيز من حزب الله لم ينّله مرشح آخر وتعويل على علاقات عربية قوية، لا يتردد في التصريح لمقربين أنه في حال فشل لن يتردّد في الاعتذار عن المهمة الصعبة، لكن التشاؤم المفرط للوصول إلى هذه الخطوة يوازي التفاؤل المُبالغ فيه. وعليه ستستمر محاولات تدوير الزوايا للوصول إلى حكومة في أقرب وقت تجنباً للارتطام الكبير وحتى تلك اللحظة الشعب اللبناني مهموم بلقمة عيشه ومسيّر بين خَياري المُرّ والأمَرّ منه.
رانيا برو